ويتوجب أن يكون قرار القاضي بالترخيص بأحد هذه التصرفات معللا.
كما لا يقبل التنازل عن التعرض إلا من طرف المتعرض شخصيا أو ينوب عنه بمقتضى وكالة خاصة، إذ يتعرض للإلغاء قرار المحافظ الذي يقضي بالتشطيب على التعرض لوقوع التنازل عنه مثلا من طرف متعرض لا ينوب عن من تقرر التعرض لمصلحته.
وإثبات رفع التعرض إما أن يضع حدا للنزاع ويؤدي إلى إنهاء التعرض بشكل كلي، فيقوم المحافظ تبعا لذلك بإتمام إجراءات التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري، وإما أن ينهي النزاع جزئيا، بحيث يتم رفع التعرض عن بعض أجزاء العقار ويبقى قائما بالنسبة لأجزاء أخرى.وهنا تفتح أمام طالب التحفيظ إمكانية تجزيء مطلبه والمطالبة بتأسيس رسم عقاري خاص بالجزء الذي لا يشمله النزاع، وذلك بعد إجراء تحديد معدل للتحديد الأول (الفقرة الثالثة من الفصل 31 من ظ.ت.ع)، في حين تتبع المسطرة القضائية بالنسبة للجزء الذي لم يرفع التعرض بشأنه ما لم يقع صلح بين الأطراف.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد يقع التنازل عن التعرض أثناء سريان الملف أمام محكمة التحفيظ، وفي أي مرحلة من مراحل التقاضي ولأول مرة أمام محكمة النقض.
وقد جاء في قرار لمحكمة النقض بهذا الخصوص ما يلي: “حيث إنه بالرجوع لمقتضيات الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري فإنه إذا تنازل المتعرض عن تعرضه فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تقتصر على الإشهاد بذلك، وحيث التمست المستأنفة المتعرضة الإشهاد عليها بتنازلها عن التعرض المقيد على المطلب عدد 4167/22، وأن التنازل مسموح بتقديمه في جميع أطوار سريان الدعوى، مما وجب معه الإشهاد عليها بذلك”.
ـ الحالة الثانية: التصريح بقبول التعرض
إذا ارتأى طالب التحفيظ من خلال إطلاعه على الوثائق والرسوم التي أدلى بها المتعرض إلى المحافظة تأييدا لتعرضه، بأن هذا الأخير محق في تعرضه، قد يعمد إلى قبول هذا التعرض بدلا من اللجوء إلى المحكمة وإطالة النزاع دون جدوى.
ويتوجب على طالب التحفيظ في هذه الحالة تقديم تصريح بقبول التعرض، حيث يقوم المحافظ بتسجيل هذا التصريح في محضر يوقعه طالب التحفيظ ثم يقوم بتسجيل العقار تبعا لهذا التصريح.
وإذا انتهت مدة الشهر دون أن يدلي طالب التحفيظ بتصريح يثبت صحة التعرض أو قبوله، يعمد المحافظ إلى إجراء صلح بين الأطراف قبل توجيه الملف إلى المحكمة.
ونظرا لما كانت تبديه بعض المحافظات من إهمال لملفات التعرضات وعدم تتبعها على النحو المطلوب، مما يترتب عنه تجميد مطالب التحفيظ لمدة طويلة دون مبرر معقول، فقد حدد المشرع بمقتضى قانون 14.07 المتمم والمغير والمعدل لظهير التحفيظ العقاري أجلا لبعث ملف التعرض إلى المحكمة، إذ نجد الفقرة الأخيرة من الفصل 32 من ظ.ت.ع تنص على أنه: “خلال الثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المنصوص عليه في الفصل 23 يوجه المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية التي يقع العقار بدائرتها”.
وتجدر الإشارة هنا بأن حالة قبول التعرض من طرف طالب التحفيظ تستلزم من المحافظ القيام بتصحيح المطلب الأساسي بواسطة خلاصات إصلاحية يتم نشرها بالجريدة الرسمية والاستمرار بعد ذلك في المسطرة العادية للتحفيظ.
ثانيا ـ قرارات رفض أو إلغاء التعرض:
إن تقديم طلبات التعرض بصفة نظامية ضمن الآجال ووفقا للشروط القانونية، يفرض على المحافظ قبولها، بينما تلك المقدمة خارج الآجال المحددة أو الشروط المتطلبة قانونا تمنح المحافظ حق اتخاذ قرار برفضها أو إلغائها، وقرارات المحافظ برفض أو إلغاء التعرض بعضها يقبل الطعن والبعض الآخر لا يمكن الطعن فيه.
وسنتطرق إلى الحالات التي يمكن فيها للمحافظ رفض التعرض أو إلغائه كالآتي:
1 ـ رفض التعرض لتقديمه خارج الأجل:
طبقا لما ورد في الفصل 27 من ظ.ت.ع فإنه يجوز للمحافظ رفض أي تعرض لم يقدم في الأجل القانوني المتمثل في الشهرين المواليين لتاريخ نشر انتهاء عملية التحديد في الجريدة الرسمية، إلا أن المشرع واستثناء من هذه القاعدة خول للمحافظ إمكانية قبول التعرض ولو قدم خارج الأجل (الفصل 29 من ظ.ت.ع) مادام لم يبعث بالملف إلى المحكمة.
وقرار المحافظ بقبول التعرض خارج الأجل لا يحتاج إلى تعليل مادام أنه يستجيب لرغبة المتعرض، كما لا يحق لطالب التحفيظ الطعن في قرار المحافظ بقبول التعرض خارج الأجل.
وما تجدر الإشارة إليه أن هذا الاستثناء لا يعني أن المحافظ ملزم بقبول أي تعرض قدم خارج الأجل مادام الملف مازال بحوزة المحافظة ولم يبعث بعد إلى المحكمة، بل هو استثناء يمنح المحافظ إمكانية قبول التعرض إذا ارتأى أن التبريرات والأسباب التي أدلى بها المتعرض ومنعته من تقديم تعرضه داخل الأجل مقبولة، أو رفض التعرض إذا ارتأى العكس.
كما أن قبول التعرض خارج الأجل ليس رهينا بوجود تعرضات أخرى وهو ما نستنتجه من خلال الفصل 29 من ظ.ت.ع والذي ينص على أنه: “بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ على الأملاك العقارية ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق، شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية”.
وتبقى الحالة الوحيدة التي تمنع المحافظ من قبول التعرض خارج الأجل هي توجيه الملف إلى المحكمة أو تأسيس الرسم العقاري، وينبغي على المحافظ حين إصداره لقراره ذاك مراعاة ما يمكن أن يلحق المتعرض من ضرر في حالة صحة تعرضه، فلا يتعسف في رفضه دون مبرر معقول، خصوصا وأن قراره برفض التعرض خارج الأجل لا يقبل أي طعن.
2 ـ إلغاء التعرض لعدم الإدلاء بالمستندات المؤيدة وعدم أداء الرسوم القضائية:
قبل تعديل وتتميم وتغيير ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري بمقتضى القانون رقم 14.07 كان ينص الفصل 32 منه على وجوب إدلاء المتعرض بالمستندات المؤيدة لتعرضه داخل أجل ثلاثة أشهر من إنذار المحافظ له بوجوب تقديم هذه المستندات، وإذا انقضت هذه المدة دون أن يدلي بها، فإن المحافظ يستطيع بعد البحث والتحري إما الإبقاء على التعرض أو إلغائه، كما نص على أن التعرض يعتبر لاغيا إذا لم يؤد المتعرضون الذين لم يحصلوا على المساعدة القضائية أو لم يطلبوها على الأقل الوجيبة القضائية ورسم الدفاع المحددين في الظهير المتعلق بالمصاريف القضائية وذلك داخل نفس الأجل، مما طرح التساؤل مرارا حول أمرين اثنين:
أما بعد التعديل المذكور، فقد أصبح الفصل 32 من الظهير يقضي بأن: “يعتبر التعرض لاغيا وكأن لم يكن إذا لم يقدم المتعرض خلال الأجل المنصوص عليه في الفصل 25 من هذا القانون الرسوم والوثائق المؤيدة لتعرضه ولم يؤد الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية”.
وبالتالي يتضح بأن المشرع لم يعد يستوجب توجيه المحافظ إنذارا للمتعرض للإدلاء بالحجج المؤيدة لتعرضه، وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ الإنذار، وألغى إمكانية قبول المحافظ للتعرض رغم عدم تقديم المستندات المؤيدة خلال هذا الأجل، حيث اعتبر التعرض لاغيا بمجرد انصرام الشهر الموالي لانتهاء أجل التعرض دون تقديم المتعرض للحجج المؤيدة لتعرضه، ودون أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو لم يثبت حصوله على المساعدة القضائية. وبهذا الخصوص لم يعد بإمكان المحافظ تخفيض الوجيبة القضائية بناء على طلب من المتعرض وحسب تقديره لأهمية النزاع كما كان عليه الأمر قبل التعديل.
وقرار المحافظ بإلغاء التعرض في هذه الحالة قرار نهائي ولا يقبل الطعن.
وهنا ينبغي التذكير بأنه لا يثبت الحق للمحافظ في رفض التعرض اعتمادا على تقديره للوثائق والرسوم المدلى بها من طرف المتعرض تحت طائلة اعتبار قراره مشوبا بعيب عدم الاختصاص، حيث صلاحية المحافظ لا تمتد للبت في أصل الحقوق لأنها من صميم الوظيفة القضائية.
3 ـ إلغاء التعرض استنادا لحكم قضائي:
عندما يتعذر إجراء صلح بين المتنازعين يقوم المحافظ بإرسال ملف التحفيظ إلى المحكمة الابتدائية الكائن بدائرة نفوذها العقار المتعرض على تحفيظه، للبت بشأن التعرض، وفي الحالة التي يصدر فيها عن هذه الأخيرة حكم نهائي يقضي بعدم صحة التعرض فإن المحافظ يكون مجبرا على إلغاء التعرض والتشطيب عليه من سجل التعرضات استنادا للحكم الصادر بهذا الشأن.
وسنتطرق إلى هذه الحالة بتفصيل عند الحديث عن آثار التعرض على مطلب التحفيظ.
المطلب الثاني: إمكانية توفيق المحافظ بين المتنازعين
يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية، في حالة تقديم تعرض أو قبوله إياه وقبل توجيه الملف إلى المحكمة، العمل على تسوية النزاع القائم بين طالب التحفيظ والمتعرض وإقامة صلح بينهما كلما كانت طبيعة النزاع تسمح بذلك، كأن يكون التعرض واقعا على مجرد الحدود، حيث يمكن اللجوء إلى كافة الوسائل الحبية لتعيين هذه الحدود ووضع حد للنزاع دون إيصال الأمر إلى القضاء.
ومن أجل النجاح في هذه المهمة المتمثلة في التوفيق بين المتنازعين وإقامة صلح بينهما، يمكن للمحافظ القيام بكل ما يراه ضروريا ومجديا، حيث بإمكانه استدعاء الطرفين إلى جلسة صلحية بمكتبه يبذل فيها كل ما بوسعه للتوفيق بينهما، أو التوجه مع المتنازعين إلى عين المكان إن تطلب الأمر ذلك لمعاينة أسباب النزاع بشكل دقيق ودون أن يحملهم أية مصاريف.
وفي حالة نجاح المحافظ في إقامة صلح بين الأطراف وحصول الاتفاق المنشود، فإنه يقوم بإنجاز محضر بالصلح يبين فيه النقط التي تم التصالح بشأنها ويوقعه الأطراف ثم يدرج في ملف التحفيظ، ويكون لهذا الاتفاق قوة الالتزام العرفي حسب الفقرتين الأخيرتين من الفصل 31 من ظ.ت.ع.
وبناء على هذا الاتفاق الذي وضع حدا نهائيا للنزاع القائم بين طالب التحفيظ والمتعرض، يقوم المحافظ بإتمام إجراءات التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري مراعيا في ذلك ما تم التصالح بشأنه.
وتجدر الإشارة إلى أن التوفيق بين المتنازعين يخلق نتائج محمودة ومشجعة تتجلى في منافعه الكثيرة، ولعل أهمها:
ونشير في الأخير إلى أن إمكانية التوفيق بين المتنازعين (أو إجراء صلح بينهم) لا تنحصر في المرحلة الإدارية فحسب، بل تبقى متاحة حتى خلال المرحلة القضائية، إذ بإمكان القاضي أن يسعى إلى تصالح الأطراف كل ما كانت هناك بوادر تسمح بذلك، وهو ما سنحاول التطرق إليه من خلال دراستنا للتعرض خلال المرحلة القضائية في الفصل الموالي.
الفصل الثاني:
التعرضات في المرحلة القضائية
إذا كانت مسطرة التحفيظ مسطرة إدارية في الأصل، فإن هذه المسطرة قد تصبح قضائية إذا ما تم تقديم تعرضات وطالب التحفيظ لم يقبلها ولم يدل بما يفيد رفعها ولم يتمكن حتى المحافظ من التوفيق بينهم.
المبحث الأول: قواعد البت في التعرضات
نظرا لخصوصيات ومميزات التحفيظ العقاري نجد أن المشرع بمقتضى ظهير 12غشت 1913 قد أخص مسطرة البت في التعرضات بنصوص قانونية يتعين على المحكمة أخذها بعين الاعتبار عند البت في هذه التعرضات. لذلك لابد وقبل التطرق للمرحلة القضائية التي يمر منها التعرض على مطلب التحفيظ أن نبين القواعد العامة التي تحكم التعرض خلال هذه المراحل حتى لا نتناولها بالتكرار في كل مرحلة.
وعليه فإن القواعد التي تستلزم مراعاتها خلال مراحل البت في التعرضات هي كالتالي:
المطلب الأول: مجال اختصاص قضاء التحفيظ العقاري
المطلب الثاني: خصوصيات الإثبات في قضايا التحفيظ
المطلب الأول: مجال اختصاص قضاء التحفيظ العقاري
سنعالج هنا نقطتين: الاختصاص النوعي والاختصاص المكاني.
أولا ـ الاختصاص النوعي
نص الفصل 37 من ظ.ت.ع في فقرته الثانية على أن: “تبت المحكمة في وجود الحق المدعى به من قبل المتعرضين وطبيعته ومشتملاته ونطاقه…”.
فمن خلال هذه الفقرة الثانية لابد لإثارة التعرض أن تتحقق الشروط التالية:
1 ـ أن يتعلق التعرض بحق عيني لا بحق شخصي:
يجب أن يكون موضوع التعرض حقا عينيا عقاريا قابلا للتقييد بالسجل العقاري أي من الحقوق التي حددها المشرع في المادتين 9 و10 من مدونة الحقوق العينية (أي الحقوق العينية الأصلية والتبعية).
وبهذا يختص قضاء التحفيظ العقاري من حيث المبدأ بالنظر في حق الملكية والحقوق العينية وفي الدعاوى العينية العقارية المتعلقة بها كدعوى الاستحقاق وحق الارتفاق وحق الشفعة وحق الانتفاع ودعوى الحيازة ودعاوى الرهن الرسمي.
كما يبت قضاء التحفيظ العقاري بصفة استثنائية في جميع الطلبات التي من شأنها أن تلعب دورا في الحالة القانونية للعقار موضوع التحفيظ، كالدعاوى الشخصية العقارية مثل الديون والوعد بنقل حق عيني عقاري ودعاوى تسجيل رهن رسمي بعد تحفيظ العقار شريطة أن تصاغ هذه الطلبات في شكل تعرضات وأن تقدم إلى المحكمة بنفس الشكل الذي تقدم به التعرضات تطبيقا للفصلين 24 و32 من ظ.ت.ع.
2 ـ أن ينحصر التعرض في نطاق مطلب التحفيظ:
يجب أن تنصب الحقوق المطالب بها من طرف المتعرض على العقار المطلوب تحفيظه وعلى الحالة التي قدمت فيها إلى المحافظة العقارية، وبالتالي لا يمكن أن ينتج عن التعرض الاعتراف للمتعرض بحقوق على عقار لم يكن موضوعا للتعرض ولا حتى موضوعا لمطلب التحفيظ، كما لا يمكن للمتعرض توسيع تعرضه والمطالبة بحقوق أخرى أو الزيادة فيها، وبمقابل ذلك يمكنه تقليصه أو التنازل عنه (ف.34 من ظ.ت.ع).
3 ـ ممارسة التعرض ضد طالب التحفيظ:
إن المحكمة وهي بصدد البت في النزاع بين المتعرضين وطالب التحفيظ فإنها تنظر فقط في العلاقة الموجودة بين المتعرضين وطالب التحفيظ، ولا يمكن أن تفصل بين المتعرضين بعضهم البعض، كأن يتقدم مجموعة من الورثة بتعرضات على مطلب تحفيظ ثم تنقسم مجموعة الورثة إلى قسمين، حيث تقوم المجموعة الأولى لتنازع المجموعة الثانية في أحد الحقوق المتعلقة بالعقار موضوع التعرض.
وعليه فإن المحكمة تقتصر على البت في وجود الحق الذي يدعيه المتعرض ومشتملاته ونطاقه، أما أحقية المطلب فترجع للمحافظ العقاري الذي له وحده صلاحية قبوله أو رفضه، وذلك إعمالا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 37 من ظ.ت.ع الجديد.
وقد أكدت محكمة النقض هذه القاعدة من خلال قرارها الصادر بتاريخ 13 يونيو 1988 الذي جاء فيه “لكن حيث إنه بمقتضى الفصل 37 من ظهير 12 غشت 1913، فإن محكمة التحفيظ إنما تفصل في النزاع الذي يثيره المتعرضون ضد طالب التحفيظ ولا تختص بالنظر في النزاع الذي يثيره المتعرضون فيما بينهم”.
كما أكد الاجتهاد القضائي مبدأ آخر، مفاده أن استئناف المتعرضين لا يمكن أن يكون مقبولا إلا إذا كان موجها ضد طالب التحفيظ على أساس أن آثار الحكم تنحصر بين المتعرضين وطالب التحفيظ.
ويتضح لنا مما سبق أن المحكمة لا تنظر سوى في وجود الحق الذي يدعيه المتعرض وفي مشتملاته ونطاقه، ولا يحق لها أن تنظر في مدى صحة مطلب التحفيظ الذي يستطيع المحافظ وحده أن يقبله أو يرفضه.
كما أنها لا تفصل بين المتعرضين بعضهم ضد بعض، فهذه يمكن أن تكون موضوع دعوى فرعية مستقلة عن دعوى التعرض.
ثانيا ـ الاختصاص المكاني:
أما من حيث الاختصاص المكاني فإن المحكمة المختصة للبت في التعرضات هي المحكمة الابتدائية التي يوجد ضمن دائرتها العقار المراد تحفيظه، ومع ذلك فكل متعرض ملزم بتعيين موطن أو محل مختار بدائرة المحافظة التي يقطن خارجها.
وبصدور ظهير 15 يونيو 1974 المعدل المتعلقة بالتنظيم القضائي أصبح اختصاص المحكمة الابتدائية يشمل كل القضايا العقارية سواء تلك التي تتعلق بالعقارات المحفظة أو العقارات غير المحفظة أو التي في طور التحفيظ، الأمر الذي جعل المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة للنظر في جميع النزاعات المتعلقة بالعقارات المحفظة كانت أو غير محفظة.
وإذا كان المحافظ هو المكلف ببعث ملف التحفيظ إلى المحكمة فإن المتعرض يقوم بتعيين موطن مختار في المركز الذي توجد به المحافظة العقارية وذلك بمقتضى الفصل 26 من القرار الوزاري الصادر في 3 يونيو 1915.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة غياب هذا التعيين أو قيام المتعرض بتعيين موطن خارج عن دائرة المحافظة العقارية فإن التبليغات والإنذارات توجه إلى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية وتتولى هذه الأخيرة القيام بالتبليغ.
أما فيما يخص الحالة التي لا يتم فيها العثور على موطن المتعرض، وكان هذا الأخير واقعا في دائرة المحافظة العقارية، فيمكن للمحكمة أن تعين له قيما يتولى محاولة تبليغه، أما بعد ذلك فيمكنها أن تصدر حكما في غيابه، وفي هذه الحالة يعتبر المتعرض متماطلا عن متابعة الدعوى.
المطلب الثاني: خصوصيات الإثبات في قضايا التعرض
من خلال مقتضيات الفصل 24 وما يليه من ظهير التحفيظ العقاري، فإن التعرض هو ادعاء يفرض أن يوضع صاحبه في موضع المدعي، وبالمقابل فإن طالب التحفيظ هو المدعى عليه، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي الذي يحدد وضعية المتعرض كمدعي وطالب التحفيظ كمدعى عليه، وبالتالي يقع عبء الإثبات على عاتق المتعرض، بينما طالب التحفيظ معفى مبدئيا من كل إثبات.
وقد جاء في إحدى قرارات محكمة الاستئناف ما يلي: “المتعرض في قضايا التحفيظ العقاري يعتبر مدعيا يقع عليه عبء الإثبات وحتى في حالة عدم إنكار طالب التحفيظ ادعاء المتعرض، يتحتم على هذا الأخير أن يدلي تلقائيا بما لديه من حجج ومستندات ليتأتى لمحكمة التحفيظ العقاري ممارسة سلطتها التقديرية وحق مراقبتها”.
كما جاء في إحدى قرارات محكمة النقض تأييدا لما ذكرناه سابقا ما يلي: “أن طلب التحفيظ يعطي لصاحبه صفة المدعى عليه ولا يجب عليه الإدلاء بحجة حتى يدعم المتعرض تعرضه بحجة قوية”.
غير أن الإشكال الذي ينتج عن هذا المبدأ هو أن عبء الإثبات يقع على عاتق المتعرض ولو كان حائزا للعقار المطلوب تحفيظه، في حين أن افتراض الملكية يكون لصالح الحائز في القانون الإسلامي، وأن القاعدة العامة المطبقة في النزاعات القضائية في إطار هذا القانون هي أن “البينة على من ادعى واليمين على من أنكر”.
فكيف يعقل أن تلزم المتعرض وحده بالإدلاء بحججه أمام القضاء وبإثبات حقوقه، في حين تجعل طالب التحفيظ بعيدا عن النزاع من ناحيته المسطرية؟
ولتجاوز هذا الإشكال يجب أن لا يكون تطبيق المبدأ المذكور القاضي بأن عبء الإثبات يقع على المتعرض بكيفية صارمة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ترجيح الحجج والرسوم بعضها مع بعض.
وينتج مما سبق أنه إذا لم توجد لدى طالب التحفيظ أو المتعرض رسوم كافية لإثبات ادعاءاته أمكن للقاضي أن يثبت ملكية العقار لمن كان يتمتع منذ سنين عديدة بحيازة هادئة علنية ومستمرة وبدون معارض وبصفة مالك.
وما يؤكد هذا الطرح قرار محكمة النقض عدد 145 الصادر في 11 مارس 1970 والذي قضى بقبول طلبات المتعرضين استنادا إلى حيازتهم ورفض مطالب التحفيظ الذي استند على رسم عدلي غير مخاطب عليه.
المبحث الثاني: سير الدعوى أم القضاء
تبتدئ المرحلة القضائية في حالة وجود تعرضات على مطلب التحفيظ لم يستطع طالب التحفيظ رفعها تراضيا عن طريق الصلح أو صدور قرار من المحافظ إما برفض مطلب التحفيظ أو باعتبار التعرض لاغيا.
ويقتصر الطعن القضائي في الأحكام الصادرة في التعرضات، وبصفة عامة في مادة التحفيظ العقاري، على الطعن بالاستئناف والنقض دون غيرها من طرق الطعن طبقا للفصل 109 من ظ.ت.ع.
وعليه فالفصل في التعرضات خلال المرحلة القضائية يعرف ثلاث مراحل: مرحلة ابتدائية، مرحلة استئنافية ومرحلة النقض.
المطلب الأول: المرحلة الابتدائية
يقدم المحافظ على الأملاك العقارية وخلال الثلاثة أشهر الموالية لانتهاء أجل التعرضات بإحالة الملف مشفوعا بكافة الأوراق والمستندات إلى كتابة ضبط المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها العقار المطلوب تحفيظه، فيبادر رئيس المحكمة إلى تعيين قاضي مقرر يكلف بالنظر في القضية طبقا للفصل 32 من ظ.ت.ع، وللقاضي المقرر اتخاذ كل الإجراءات التي يراها ضرورية لتهيئ حل للقضية وجعلها جاهزة للبت (الفصل 34 من ظ.ت.ع) كالأمر بإجراء معاينة والتنقل إلى عين المكان قصد مطابقة حجج الأطراف على العقار والاستماع إلى الشهود بمعية كاتب الضبط ومهندس مساح طبوغرافي محلف من جهاز المسح العقاري مقيد في الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين، وإن اقتضى الحال يمكن أن يقوم بهذا الإجراء بشكل شخصي أو ينتدب قاضيا آخر. هذا وتعد هذه المعاينة عملا اختياريا للقاضي المقرر أن يتخذه من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الأطراف، غير أنه في بعض الحالات لابد من الوقوف على عين المكان وهو ما أكده المجلس الأعلى في قرار صادر بتاريخ 01/04/1998 جاء فيه: “(استبعاد حجة الطاعن بعلة عدم انطباقها على العقار موضوع التحفيظ من غير أن تقف المحكمة على عين المكان ينهض خرقا لقواعد المسطرة في ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ويعرض القرار المطعون فيه للنقض).
ويحدد القاضي المقرر تاريخ هذا الانتقال والمصاريف اللازمة له حسب الأعمال التي سيتم إنجازها وكذا الطرف الملزم بهذه المصاريف.
وعندما يتأكد القاضي المقرر من أن القضية أصبحت جاهزة للحكم وأنه استوفى جميع الإجراءات الضرورية يعلم الأطراف بواسطة استدعاء بتاريخ انعقاد الجلسة التي ستعرض فيها القضية قبل 8 أيام على الأقل من هذا التاريخ تطبيقا للفصل 35 من ظ.ت.ع.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن حكم المحكمة هنا قاصر على البت في ما إذا كان التعرض مبنيا على أساس أو لا، ولا يمكنها الخروج عن هذه الصيغة للنظر في قبول مطلب التحفيظ أو رفضه الذي يبقى من اختصاص المحافظ أو الفصل بين المتعرضين فيما بينهم، كما يتعين على المحكمة أن تبين في حكمها حدود ومساحة الأجزاء المحكوم بها لفائدة المتعرضين، وفي حالة الشياع نصيب كل واحد منهم حسب الفقرة الثالثة من الفصل 37 من ظ.ت.ع.
وإذا حدث أثناء سريان الدعوى أن قبل طالب التحفيظ التعرض أو تنازل المتعرض عن تعرضه فإن دور المحكمة يقتصر على الإشهاد على القبول أو التنازل، ثم تحيل ملف القضية على المحافظ الذي يقرر تحفيظ العقار مع مراعاة ما تم الإشهاد عليه بين الطرفين سواء بقبول الحق محل التعرض أو بتنازل المتعرض عن ما ادعاه.
وتعتبر الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية فيما يخص التعرضات ابتدائية وحضورية، بصرف النظر عن حضور الأطراف أثناء انعقاد الجلسة أو غيابهم، ذلك أن حضورهم غير إلزامي، ولذلك فهي قابلة للاستئناف ويتعين تبليغ ملخص الحكم بمجرد صدوره وعلى أبعد تقدير خلال مدة لا تتجاوز 8 أيام إلى طالب التحفيظ وسائر الأطراف في موطنهم الحقيقي أو المختار، وينص هذا التبليغ على إمكانية استئناف الحكم داخل الأجل المنصوص عليه في الفصل 134 من ق.م.م، أي أجل 30 يوما من تاريخ التبليغ، لكون الفصل 41 من ظ.ت.ع أحال على قانون المسطرة المدنية.
المطلب الثاني: المرحلة الاستئنافية
تأكيدا لمبدأ التقاضي على درجتين الذي يعرفه التنظيم القضائي المغربي، يحق لكل من له مصلحة في الاستئناف سواء المتعرض الذي قضى الحكم الابتدائي بعدم صحة تعرضه، أو طالب التحفيظ في حالة صدور الحكم لفائدة المتعرض أن يتقدم بطلب الاستئناف تطبيقا لمقتضيات الفصل 41 من ظ.ت.ع.
وبمجرد توجيه ملف القضية مع نسخة من الحكم المطعون فيه إلى كتابة ضبط محكمة الاستئناف يقوم رئيسها الأول بتعيين مستشار مقرر يتولى تحضير القضية طبقا لما ورد في الفصل 42 من ظ.ت.ع، ويأمر المستشار المقرر الطرف المستأنف بالإدلاء بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه في أجل لا يتجاوز 15 يوما. وجاء في قرار للمجلس الأعلى بشأن عدم إجبارية الإدلاء بأوجه استئنافه بعد إنذار المستشار المقرر “لكن، ردا على السبب فإن ظهير 12 غشت 1913 المعتبر بمثابة قانون التحفيظ سن قواعد خاصة للطعن بالاستئناف تضمنها الفصل 42 منه الذي لا يرتب أي جزاء على عدم قيام المستأنف بتوضيح أسباب استئنافه، ذلك أنه في مادة التحفيظ يجب على المحكمة أن تنظر في القضية بناء على الوثائق والأوراق الموجودة بالملف، مما يبقى معه القرار غير خارق للمقتضيات المذكورة والسبب بالتالي غير جدير بالاعتبار”.
ثم يستدعي الأطراف المعنية للإطلاع على ما أدلى به المستأنف، ولإبداء منازعاتهم ووسائل دفاعهم في أجل مماثل. (الفصل 42 من ظ.ت.ع).
هذا وكما هو الأمر بالنسبة للقاضي المقرر في إطار المرحلة الابتدائية، يمكن كذلك للمستشار المقرر اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها أن تكمل التحقيق إما تلقائيا أو بناء على رغبة الأطراف، بما في ذلك التنقل إلى عين المكان قصد تطبيق حجج ورسوم الأطراف على العقار والاستماع إلى الشهود، كما يمكن له بموافقة الرئيس الأول أن ينتدب لهذه المهام قاضيا آخر طبقا لنص الفصل 43 من ظ.ت.ع.
ويخضع الاستئناف في قضايا التعرض لبعض القواعد منها:
وبعد أن تصبح القضية جاهزة للحكم يصدر المستشار المقرر أمرا بتخليه عن الملف، ويحدد تاريخ الجلسة التي تدرج فيها القضية أمام المحكمة، ويبلغ هذا الأمر (قبل 15 يوما) إلى الخصوم الذين يعتبر حضورهم اختياريا، وتفتح الجلسة في التاريخ المحدد لها، ويتلو المستشار المقرر تقريره، ثم يستمع إلى الأطراف أو وكلائهم الذين يمكنهم الإدلاء بملاحظاتهم تأييدا لمستنتجاتهم المكتوبة، كما يمكن للنيابة العامة إبداء مستنتجاتها أيضا.
وفي النهاية تكون المحكمة ملزمة بالبت في القضية فورا أو بعد إجراء المداولة.
وتجدر الإشارة إلى أنها ملزمة بالبت في القضية ضمن الحدود ووفق الكيفية التي قدمت بها الدعوى خلال المرحلة الابتدائية، ثم تبلغ الأطراف المعنية في عناوينهم الحقيقية أو المختارة بقرارها، مع التنصيص في هذا التبليغ على أن لهم حق الطعن بالنقض في هذا القرار أمام محكمة النقض.
المطلب الثالث: الطعن بالنقض
تقبل القرارات الاستئنافية الصادرة بشأن التعرضات الطعن بالنقض تطبيقا للفصل 47 من ظ.ت.ع، لذلك يتم تبليغ القرار الاستئنافي بنصه الكامل إلى جميع الأطراف في موطنهم الحقيقي أو المختار، مع الإشارة إلى أن بإمكانهم الطعن بالنقض في القرار داخل أجل 30 يوما من تاريخ التبليغ حسب الفصل 358 من ق.م.م، بما أن الفصل 47 من ظ.ت.ع أحال على قانون المسطرة المدنية.
وتجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض ليست درجة ثالثة من درجات التقاضي فهي لا تنظر في القضية نفسها وإنما في الحكم المطعون فيه، لذلك قيل بأن النقض هو النظر في الحكم لا في الدعوى باعتبارها محكمة قانون لا محكمة موضوع.
وبما أن قانون التحفيظ العقاري لم ينص على مسطرة لمرحلة النقض أمام محكمة النقض فيما يتعلق بقضايا التحفيظ، كما فعل بالنسبة للمرحلتين الابتدائية والاستئنافية فإنه ينبغي إتباع المسطرة المدنية والذي أحال عليه الفصل 47 أعلاه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الطعن بالنقض على الرغم من أنه طريق من طرق الطعن غير العادية، وكقاعدة عامة فإنه لا يرتب إيقاف التنفيذ إلا أنه استثناء لهذه القاعدة وطبقا للفصل 361 من ق.م.م له أثر واقف في قضايا التحفيظ العقاري، حيث جاء في الفصل: “لا يوقف الطعن أمام المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الأحوال التالية:
في الأحوال الشخصية.
في الزور الفرعي
التحفيظ العقاري”.
وهنا يثير هذا الفصل إشكالا بخصوص قضايا التحفيظ العقاري، حيث تركت هذه الحالة المجال مفتوحا أمام التأويلات، وقد اتخذ المجلس الأعلى موقفا مخالفا، إذ نجده في قراره الصادر بتاريخ 2 يونيو 1988 عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى يقصد عبارة قضايا التحفيظ على العقارات في طور التحفيظ.
أما الموقف الثاني والذي اعتبره الدكتور محمد خيري سليما ـ على حد تعبيره ـ فهو الموقف الذي لا يعطي تفسيرا ضيقا لهذه العبارة بل واسعا يشمل كل القضايا المتعلق بالتحفيظ سواء تعلق الأمر بعقار لا يزال في طور التحفيظ أو بعقار تمت بشأنه المسطرة.
ولعل المشرع المغربي بتعديله للفصل 1 من ظهير التحفيظ العقاري بمقتضى قانون 14.07، وذلك بتحديد مفهوم دقيق للتحفيظ العقاري حسم النزاع في هذا الخلاف حيث جاء فيه: “يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه:
ـ تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يرتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به.
ـ تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك في الرسم العقاري المؤسس له”.
وبذلك يمكن القول انطلاقا من النص القانوني أن عبارة التحفيظ العقاري لا يشمل العقار في طور التحفيظ وحده بل العقار المحفظ كذلك، وإلا لما عمد المشرع إلى جعل العبارة عامة، ولا يمكن للقضاء أن يخصص ويضيق ما عمه المشرع.
والغاية من جعل الطعن بالنقض في قضايا التحفيظ العقاري بالخصوص موقفا للتنفيذ هو أن المشرع المغربي تنبه إلى الأهمية التي تكتسيها الملكية العقارية، وبالتالي فإن تنفيذ الحكم يكون فيصلا لا يمكن الرجوع فيه، لذلك فإن إيقاف التنفيذ في هذه الحالة بالذات لا يراد بها التماطل والتراخي في التنفيذ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحكم قد يؤدي إلى تأسيس الرسم العقاري إذا كانت التعرضات غير صحيحة بعد البت فيها من طرف القضاء ولا يخفى أن هذا الرسم يتمتع بالصفة النهائية، حيث لا يمكن الرجوع فيه وكذا القطعية غير القابلة لأي شكل من أشكال الطعن، وذلك نظرا لأهمية هذا القرار وكذا التقييدات التي ترد على العقار والتي تشكل حجة في مواجهة الغير حسن النية، ………….إلا أن يجعل الطعن بالنقض في هذه القضايا موقفا للتنفيذ وهو في ذلك اتخذ موقفا ناجعا وصائبا.
المبحث الثالث: آثار الأحكام الصادرة في التعرضات على مطلب التحفيظ
بعد صيرورة الأحكام الباتة بشأن التعرضات قطعية ونهائية، أو حينما تنتهي الآجال المقررة للاستئناف أو الطعن لدى محكمة النقض دون أن يتقدم أي طرف بالطعن رغم التبليغ الحاصل لهم في موطنهم الحقيقي أو المختار فإننا نكون أمام إما تعرض محكوم بصحته أو تعرض محكوم بعدم صحته.
ـ الحكم بصحة التعرض:
إذا قضت المحكمة بصحة التعرض الذي كان ينصب على المطالبة بكافة العقار، هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذه التعرضات التي حكم القضاء بصحتها مهما كانت طبيعتها يتم الإعلان عنها وفقا لمقتضيات الفصل 83 من ظ.ت.ع حسب الفصل 37 من الظهير، فإن المحافظ على الأملاك العقارية وبعد إحالة مطلب التحفيظ عليه من طرف المحكمة يقوم بإلغاء مطلب التحفيظ ليصبح هذا المطلب كأن لم يكن، ولا يمكنه إقامة رسم عقاري لنفس العقار إلا إذا تقدم المتعرضون المستفيدون من الحكم بطلب تحفيظ يخصهم. هذا المطلب الذي يمكن أن يكون بدوره محل تعرضات من قبل الغير.
أما إذا قضت المحكمة بصحة التعرض الجزئي هنا يجب التمييز بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: يكون فيها التعرض منصبا على المطالبة بحقوق مشاعة، في هذه الحالة لا يتم إلغاء مطلب التحفيظ بل تستمر مسطرة التحفيظ باسم طالب التحفيظ والمتعرض المحكوم بصحة تعرضه الجزئي بواسطة خلاصة إصلاحية كمالك لحقوق مشاعة إلى جانب طالب التحفيظ الأصلي.
ـ أما الحالة الثانية: فتتجسد في الحالة التي يتم فيها التصريح بصحة التعرض على قطع مفرزة يشملها مطلب التحفيظ، وهنا يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بواسطة تحديد تكميلي باستخراج هذه القطع من كامل تحديد العقار المطلوب تحفظيه، والمحافظ يقوم في ذلك بتطبيق حكم القضاء.
ـ الحكم بعدم صحة التعرض
إذا صرحت المحكمة بعدم صحة التعرض جزئيا كان أو كليا فإن المحافظ العقاري يقوم بالتشطيب على هذه التعرضات المسجلة لديه استنادا إلى الحكم الصادر، ثم يقوم بالإجراءات التي كان قد بدأها عند تقديم مطلب التحفيظ لفائدة طالبيه، وستبقى تلك الإجراءات صحيحة ما لم يدخل عليها صاحب الشأن تعديلا. وبعد ذلك يتخذ المحافظ قراره إما بقبول مطلب التحفيظ أو رفضه لأن الفصل في النزاع الذي كان قائما بين المتعرض وطالب التحفيظ لا يمتد إلى النظر في صحة أو عدم صحة مطلب التحفيظ، الذي يبقى من اختصاص المحافظ.
إلا أنه في حالة رفضه لمطلب التحفيظ فإن قراره قابل للطعن فيه أمام المحكمة الابتدائية مع الاحتفاظ بالحق في الاستئناف وكذا الطعن بالنقض في القرارات الاستئنافية طبقا للفصل 37 مكرر من ظ.ت.ع.
وتجدر الإشارة إلى أن مصاريف التحفيظ يتحملها طالب التحفيظ أما مصاريف التعرض فيتحملها الطرف الخاسر للدعوى، وتوزع المصاريف أو تقع المقاصة حسب ما تقرره المحكمة إذا خسر كل طرف بعض مطالبه حسب الفصل 51 من ظ.ت.ع.
الخاتمة
عندما يتأكد المحافظ بأن جميع إجراءات التحفيظ تمت بصفة صحيحة، وفي حالة حدوث تعرضات قد تم البت فيها من طرف القضاء بصفة قطعية، يتخذ قراره بتحفيظ العقار ويشخص العقار بعد تحفيظه بواسطة الرقم والاسم الذي اختاره طالب التحفيظ عندما تقدم بطلبه أمام المحافظة، وهذا القرار هو ما يسمى بالرسم العقاري وهذا السند (أي الرسم العقاري) هو المعتبر دون غيره لإثبات الملكية، ويعد الانطلاقة الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية المنصبة على العقار وقت تحفيظه.
قانون المالية لسنة 2023.. هذه هي التعديلات المُدخلة على ضريبة الأرباح العقارية
أدخل المشرع المغربي على ضريبة الأرباح العقارية سنة 2023 وذلك بمقتضى قانون المالية لسنة 2023 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.22.75 الصادر في 13 دجنبر 2022 بتنفيذ قانون المالية رقم 50.22 للسنة المالية 2023 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7154 مكرر المؤرخة في 23 دجنبر 2022.
تهم هذه التعديلات إمكانية طلب الرأي المسبق للإدارة الضريبية قبل تفويت العقار لتفادي مسطرة المراجعة الضريبية وحذف حالة الاعفاء في حالة التزام الخاضع للضريبة بإعادة استثمار مبلغ البيع في شراء عقار للسكن الرئيسي في أجل ستة أشهر، كما تم وضع تعريف دقيق للسكن الرئيسي وتحديد شروطه.
ونتطرق فيما يلي لهذه المستجدات التي جاء بها قانون المالية لسنة 2023.
إمكانية طلب الرأي المسبق للإدارة فيما يتعلق بالضريبة على الدخل برسم الأرباح العقارية
أضاف قانون المالية رقم 50.22 للسنة المالية 2023 للمدونة العامة للضرائب مادة جديدة نصت على إمكانية طلب رأي مسبق للإدارة الضريبية حول الضريبة على الأرباح العقارية، ذلك قبل تفويت عقار خاضع لهذه الضريبة، وهي المادة 234 المكررة أربع مرات والتي تنص على إمكانية طلب الرأي المسبق لإدارة الضرائب فيما يخص عناصر تحديد الربح العقاري الصافي المفروضة عليه الضريبة ومبلغ الضريبة المطابق له وإن اقتضى الحال فيما يخص حق الاستفادة من الإعفاء من هذه الضريبة.
ويتم تقديم الطلب لزوما بطريقة إلكترونية وفق نموذج تعده الإدارة خلا الـ30 يوما الموالية لتاريخ إنجاز الوعد بالبيع من طرف الملزم أو من ينوب عليه في هذا الإطار، وهو غالبا الموثق أو العدل الذي حرر عقد الوعد بالبيع.
نفس المادة نصت على أن الطلب يجب أن يرفق بما يلي:
تقديمٌ للعناصر المتعلقة بعملية البيع المزمع إنجازها؛
أوراق الإثبات المتعلقة بتحديد الضريبة أو الإعفاء منها؛
كل وثيقة أخرى أو معلومة تبرر هذا الطلب.
بعد إيداعه فإن الإدارة ترسل جوابا لمودع الطلب داخل أجل 60 يوما من تاريخ التوصل. هذا الجواب، حسب نفس المادة، يُعَدُّ بمثابة شهادة تصفية الضريبة أو إعفاء المعني بالأمر منها، ويظل ساري المفعول لمدة 6 أشهر.
بعد إتمام عملية التفويت وإيداع الاقرار على أساس عناصر شهادة تصفية الضريبة التي حصل عليها المُلزم مسبقا فإنه يُعفى من مسطرة المراجعة الضريبية.
غير أنه يمكن أن يكون موضوع مراجعة ضريبة عندما يتبين للإدارة أن الإقرار المُودع من طرف الملزم لم يتم تقديمه على أساس عناصر شهادة تصفية الضريبة الممنوحة له سلفا.
تجدر الإشارة إلى أن مقتضيات هذه المادة لن تُطبَّق إلا على العمليات العقارية المنجزة ابتداء من فاتح يوليوز سنة 2023.
الإقرار بضريبة الأرباح العقارية في حالة عدم الحصول على الرأي المسبق للإدارة الضريبية
في حالة تفويت عقار أو حقوق عقارية غير خاضعة للإعفاء كما تحدثنا عنها في المقال المتعلق بضريبة الأرباح العقارية، دون الحصول على الرأي المسبق للإدارة الضريبية، نصت المادة 173-1 من المدونة العامة للضرائب والتي تم تعديلها بمقتضى قانون المالية لسنة 2023، على أنه يجب على الأشخاص الذين لم يقدموا إقرارا على أساس عناصر شهادة تصفية الضريبة وكذا الأشخاص الذين لم يطلبوا الرأي المسبق لإدارة الضرائب أن يدفعوا، بصفة مؤقتة، لدى قابض إدارة الضرائب الفرق بين مبلغ الضريبة المصرح به وخمسة بالمائة (5%) من ثمن التفويت.
مثال:
عند بيع سكن ثانوي بمبلغ ستمائة ألف درهم (600.000,00) سنة 2023 اشتراه الملزم سنة 2020 بمبلغ اربعمائة ألف درهم (400.000,00درهم) دون الحصول على الرأي المسبق للإدارة الضريبية، فإنه سيقوم بإيداع التصريح بضريبة الأرباح العقارية وأداءها كما يلي:
تكلفة التملك: 466.440,00
الربح المحصل عليه: 133.600,00
الواجبات حسب الربح: (20%): 26.720,00
وعليه فإن الواجب أداءه هو مبلغ 26.720,00 درهم، وحسب مقتضيات هذه المادة فإن المُلزم يجب أن يؤدي زيادة على ذلك مبلغ 3.280,00 وهو الذي يمثل الفرق بين مبلغ الضريبة المصرح به و 5% من ثمن التفويت.
ويمكن للإدارة الضريبة في هذا الحالة فتح مسطرة المراجعة الضريبية إذا تبين لها أن العناصر المقدمة من طرف المصرح لا توافق المبالغ المؤداة وذلك بمطالبته بأداء مبالغ إضافية، أو العكس عندما يتبين لها أن العناصر المقدمة من طرف المصرح لا تستوجب مراجعة ضريبية بإرجاع مبلغ الفرق المؤدى للمصرح.
كما هو الشأن في المادة 173 فإن هذه المقتضيات لن تُطبَّق إلا على العمليات العقارية المنجزة ابتداء من فاتح يوليوز سنة 2023.
التعديلات المُدخلة على المقتضيات المتعلقة بالإعفاء من ضريبة الأرباح العقارية سنة 2023
تم تحديد حالات الإعفاء من أداء ضريبة الأرباح العقارية بمناسبة تفويت عقارات أو حقوق عقارية بمقتضى المادة 63 من المدونة العامة للضرائب وهي كما يلي:
الربح المحصل عليه من لدن كل شخص يقوم خلال السنة المدنية بتفويت عقارات لا يتجاوز مجموع قيمتها مائة وأربعين ألف (140.000) درهم؛
الربح المحصل عليه من تفويت حقوق مشاعة في عقارات فلاحية واقعة خارج الدوائر الحضرية فيما بين الشركاء في الإرث؛
الربح الحصل عليه بمناسبة تفويت السكن الاجتماعي الذي يشغله ملاكه على وجه سكن رئيسي منذ مدة أربع (4) سنوات على الأقل من تاريخ التفويت؛
عمليات المساهمة بعقارات أو بحقوق عينية عقارية أو هما معا في أصول شركة أو هيئة التوظيف الجماعي العقاري؛
الربح المحصل عليه من تفويت عقار أو جزء من عقار مخصص للسكن الرئيسي منذ خمس ( 5) سنوات على الأقل في تاريخ التفويت المذكور من طرف مالكه أو أعضاء الشركات ذات الغرض العقاري المعتبرة ضريبيا شفافة.
قلص التعديل المدخل بمقتضى قانون المالية لسنة 2023 من المدة المخصصة لشغل السكن الرئيسي إلى خمس سنوات بعدما كانت ست سنوات سابقا.
كما تم، بمقتضى التعديل المدخل على المدونة العامة للضرائب سنة 2023، تحديد مفهوم السكن الرئيسي بدقة وهو الذي تتوفر فيه الشروط التالية:
أن يكون مخصصا للسكن وغير مكترى أو موضوع استغلال مهني؛
أن يكون السكن الوحيد للخاضع للضريبة بتراب المملكة المغربية.
وفي حالة توفره على عدة مساكن، فإنه يمكن للشخص المعني أن يختار من بين العقارات التي يملكها السكن الرئيسي بناء على طلب منه.
بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج فإنه يعتبر بمثابة سكن رئيسي لهم السكن الذي يشغله مجانا أزواجهم أو أصولهم أو فروعهم من عمود النسب المباشر من الدرجة الأولى.
كما تم، بموجب التعديلات المدخلة على المدونة العامة للضرائب سنة 2023، حذف الاعفاء المتعلق بالتزام المفوت باقتناء سكن رئيسي داخل أجل ستة أشهر من تاريخ تفويته للسكن الرئيسي قبل مرور ست سنوات من تاريخ الاقتناء.
Please enter your username or email address. You will receive a link to create a new password via email.